الأحد، 10 مايو 2009

أهل الكهف
أما عن الانفصال بين الجيل القديم و الجديد فيري الخرباوي، وهو صاحب تجربة حقيقية داخل الجماعة بات ملحوظا، خاصة في السنوات الأخيرة. وإذا كان الجيل القديم له سبقه وجهاده إلا أنه انفصل تماما عن واقع الناس وأصبح هذا الجيل في معظمه - إلا من رحم ربي - مثل أهل الكهف. لم ير أحد فضلهم وجهادهم إلا أنهم خرجوا من كهفهم - كما خرج الإخوان من السجون - لا يدرون عن الأمر الواقع الجديد شيئا ولا يفقهون فيه حديثا، فقد غابت جماعة الإخوان فكرا وجسدا عن العمل العام لسنوات عديدة ثم عندما عادت الجماعة للحياة مرة أخرى إذا بمن أعادوها هم مجموعة من الشيوخ كبار السن مقطوعي الصلة بالواقع يحملون في نفوسهم ثارات أثرت على اندماجهم الحقيقي بالواقع وأدت إلى فجوة نفسية عميقة بينهم وبين العديد من الفصائل السياسية.

وفى الوقت ذاته، شهدت أروقة الجماعات المصرية بشكل ملحوظ - في إبان السبعينيات - حضوراً ونموا فى الأنشطة الإسلامية. الأمر الذي أدي إلى صياغة هذه الأنشطة في شكل كيانات تنظيمية حركية تحت اسم "الجماعة الإسلامية" التي أصبح لها هيكل تنظيمي مؤطر ولها على مستوى الجمهورية أمير يقود حركتها - كان آنذاك حلمي الجزار وهو أحد قيادات الإخوان حاليا - وكان التقى شيوخ الجماعة وعلى رأسهم الأستاذ التلمساني والحاج مصطفي مشهور والأستاذ جابر رزق والأستاذ عبد المتعال الجابري، حيث قاموا بإدخال معظم أبناء الجيل الجديد داخل الإطار التنظيمي للجماعة. وكان ذلك بمثابة الحل السحري لمشكلة شيخوخة الجماعة وانقطاع صلتها بالأجيال الجديدة.

وعن طريق النخب المنتقاه من أبناء الجيل الجديد عادت دعوة الإخوان من جديد للحياة وكان الأمل يحدد في أن تقود الجماعة المجتمع نحو نهضة حقيقية، إلا أنه سرعان ما خاب أمل الجميع في إمكانية حدوث هذه النهضة، إذ إن الأجيال الجديدة لاحظت على مدار سنوات افتقاد الجماعة للإدارة الديمقراطية وسيادية الشكل العسكري والغلو التنظيمي على حساب العمل للإسلام وانعدام قنوات الحوار وإفراغ الساحة لمن يقدمون الولاء العاطفي.

وهو ما جعل الجماعة في حالة طرد مستمر للكفايات الفكرية النادرة والطاقات المبدعة، فضلا عن الملاحقة المستمرة للمجددين والمفكرين داخل الجماعة. في هذا الإطار يرى المراقبون أن ما يحدث "حالة نزف للمفكرين فقد ضاق التنظيم بالمجددين وعلى رأسهم الدكتور القرضاوي وكمال الهلباوي بينما يزيد جنود السمع والطاعة لدرجة أن التنظيم أصبح هو الذي يحملهم وليسوا هم الذين يحملونه!!".

حتى إن الدكتور القرضاوي عبر عن مخاوفه هذه بقوله إن أكثر ما يخشاه على الإخوان المسلمين هي أن "تضيق بالمفكرين الأحرار من أبنائها وأن تغلق المنافذ في وجه التجديد والاجتهاد وأن تقف عند لون واحد من التفكير وعندئذ تتسرب الكفايات العقلية من بين صفوف الحركة ولا يبقي إلا المحافظون المقلدون".

وهذا ما حدث بالفعل، إذ لم يتحمل معظم الجيل الشاب الواحد على الإخوان الممارسات الديكتاتورية القمعية وبدأ بعضهم يصاب بإحباط فيقبع في مكانه مصابا بالجمود والشلل الفكري ويخرج بعضهم هربا ونجاة بعقولهم وقلوبهم. كما خرج حازم أبو إسماعيل ابن الشيخ صلاح أبو إسماعيل و خرج الدكتور إبراهيم بيومي غانم والدكتور حامد عبد الماجد والدكتورة هبة رؤوف وهشام جعفر فضلا عن خروج مجموعة هم نبذة العمل الإخواني مثل أبو العلا ماضي ود. محمد عبد اللطيف ود. صلاح عبد الكريم ومهندس محمد السمان وغيرهم ومازال مسلسل الخروج مستمرا. ولم يبق إلا مجموعة قليلة من الشباب - أو قل كانوا شبابا فيما مضي إذ هم الآن في الخمسين من أعمارهم - يحاولون مناطحة الصخر على وهم أنهم سيصلحون الواقع السيئ وينتصرون لدعوة التجديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق