الثلاثاء، 19 مايو 2009

ثالثا- تقنيات التطوير التنظيمي:
إن أساس مدخل التطوير التنظيمي الذي يعني في أبسط معانيه "عملية تغيير ملموس في النمط السلوكي للعاملين وإحداث تغيير جذري في السلوك التنظيمي ليتوافق مع متطلبات مناخ وبيئة التنظيم الداخـلية والخارجية، وأن المحصلة النهائية لتـغيير سلوك الـتنظيم هي تطـويره وتنميته "(17)، هو تأكيد أن السبب الذي يعوق ويجعل التغيير مستحيل التحقيق هو ضـعف العلاقات الشخصية في المؤسسة (18)، وهناك العديد من الطرق والأساليب التي يمكن استخدامها في التطوير التنظيمي مع وجود درجات مختلفة في كيفية استخدام هذه الأساليب المتعددة، ومن بين هذه الطرق والأساليب يتطرق الباحثين إلى ما يلي:
1- تدريب الحساسية(19):
في الصيغة الأولى لتدريب الحساسية نجد المدرب (لمدة ساعتين من الفترة التدريبية) لا يتدخل ولا يزود الأفراد بأي معلومات، في هذه الفترة يحاول المتدربون اكتشاف ما الذي يجري حولهم، وما هو المقصود بالتحديد من هذا الموقف، بعد ذلك يتدخل المدرب ويُعَرِف الجماعة بنفسه ويبدي شعوره تجاه الجماعة ثم يطلب من المتدربين إبداء رأيهم في أحد الأعضاء، وليكن العنصر (أ) مثلا، فيسمع الفرد (أ) أراء الآخرين فيه، ثم تنتقل المجموعة إلى إبداء رأيها في الفرد (ب)، ثم الفرد (ج) ثم هكذا إلى أخر فرد في المجموعة، الغرض من ذلك هو أن تتاح للمتدرب الفرصة للتعرف على نقاط القوة و الضعف لديه كما يراها باقي المتدربين، وبعد ذلك يقوم كل متدرب بعرض مشكلة من المشكلات التي تواجهه ويسمع نصائح المجموعة في الكيفية التي يجب أن يواجه بها الفرد هذه المشكلة، وأخيرا يعرض كل متدرب الخبرات التي أكتسبها في هذا البرنامج التدريبي، وكيف يستطيع التعامل مع المشكلات والموافق التي تقابله في حياته اليومية ويمكن تحديد أهداف تدريب الحساسية فيما يلي:
ا- زيادة معرفة الفرد بنفسه وسلوكه في محتوي بيئة الاجتماعية.
ب- التعرف بنفسه على أنواع العمليات التي قد تسهل أو تمنع التعامل بين الجماعات المختلفة والعمل معا.
ج- زيادة قدرة المشارك على التحليل المستمر لسلوكه الشخصي المتبادل بغرض التوصل إلى علاقات تبادلية أكثر فعالية، وتحقيق رضا أكبر بين الأفراد.
د- زيادة قدرة الفرد على التدخل بنجاح في المواقف بين الجماعات أو في ظل جماعة واحدة بصورة نريد من فعالية النواتج.
إن هذه الطريقة تحقق أهداف التطوير في تنبيه حواس الأفراد ومشاعرهم إلى المرافق المتعلقة بالعلاقات العامة ومن ثَم تعميق ادارك الفرد للمتغيرات الشخصية ومدى تأثيرها في التفكير والسلوك.
2- بناء الفريق: ينطلق هذا الأسلوب من تركيز السلوك التنظيمي على جماعات العمل بدلا من الفرد، ويستهدف زيادة فعالية جماعات العمل عن طريق تحسين علاقات العمل وتوضيح أدوار العاملين، ويمكن أن يأخذ شكل مجموعات الزملاء في العمل أو أي جماعة أخرى لا تتشكل بالضرورة من الزملاء في العمل(20)، وتقوم هذه الطريقة على افتراضين أساسين(21):
الافتراض الأول: لزيادة إنتاج الجماعة، فإن على أفرادها أن يتعاونوا على تنسيق جهودهم في العمل نحو إنجاز المهام الملقاة على عاتقهم.
الافتراض الثاني: لزيادة إنتاجية الجماعة لابد من إشباع الحاجات المادية والنفسية لأفرادها.
إن الإستراتجية العامة لبناء الفريق تتلخص في قيام خبير بناء الفريق بمساعدة الجماعة على مواجهة القضايا الأساسية التي تولد شعورا بالإحباط لدى الأفراد، والكشف عن هذه المشكلات والتصدي لها يزيد من احتمالات تحسين أداء الجماعة في المستقبل.
كما يعمل هذا الأسلوب على تنمية وتغيير ثقافة وقيم الأعضاء المشاركين عن طريق تعريفه لخبرات علمية ونظرية بشكل ينعكس إيجابيا على سلوكهم وتعاملهم أثناء العمل، ومن هذا الأسلوب يلاحظ أن أهم حافز للفرد في مجال عمله هو انتماؤه إلى جماعة العمل، مما يعمل على تعزيز الاتجاهات السلوكية الإيجابية(22).
ويعتبر النموذج العام الذي قدمه (Baker) ملخصا جيدا لطريقة بنا الفريق، ويمكن تلخيص نموذج (Baker) في الخطوات التالية(23):
ا- تقوم الإدارة بتقديم خبير بناء الفريق إلى الجماعة، وتشرح دوره وتحدد موعد المقابلة الأولى بين الخبير و الجماعة.
ت- أثناء التحضير للمقابلة الأولى يقوم الخبير بجمع البيانات عن أعضاء الجماعة عن طريق استمارات استقصاء بهدف قياس المناخ التنظيمي، و الأنماط القيادية ومدى الرضا عن العمل.
ج- يقوم الخبير بعقد المقابلة الأولى مع الجماعة، وفيها يقدم ملخصا للمعلومات التي تم جمعها.
د- يقوم الخبير بتحليل البيانات وعمل ملخص للمعلومات التي ثم التوصل إليها تمهيد لعرضها على جماعة المقابلة المبدئية.
ه- بناءا على هذه المعلومات تقوم الجماعة بمساعدة الخبير على تحديد المشكلات التي تواجهها في العمل وباقتراح الخطط العلاجية لهذه المشكلات التي تواجها في العمل، وبذلك تكون الجماعة قد تمكنت من تحديد الحواجز التي تعترض طريقها نحو تحسين الأداء وتحقيق الفعٌالية.
و- يتم إعداد جدول للمقابلات المستقبلية بين الخبير والجماعة لمراجعة تطبيق الخطط العلاجية ومناقشة مشاكل التطبيق وتعديل الخطط بناءا على ذلك.
وباستخدام أسلوب بناء الفريق على مستوى المؤسسة ككل، فإن الفرد يكون منظما لفريقين: فريق مع رئيسة وفريق مع مرؤوسيه، إن ذلك من شأنه أن يحقق التنسيق والتعاون بين أفراد الجماعة الواحدة وبين الجماعات وبعضها.
والشكل التالي يبين فكرة بناء الفريق على مستوى المؤسسة ككل.
الشكل رقم(02): فكرة بناء الفريق
(الفرد يكون منظما لفريقين: فريق مع رئيسه وفريق مع مرؤوسيه)







المصدر: أحمد جاد عبد الوهاب: مرجع سابق، ص276.
3-الإثراء الوظيفي: يقصد بالإثراء الوظيفي توفير الرغبة والتحفيز لدى الفرد بالوظيفة المناطة به، وجعلها غنية بمسؤولياتها ومستوعبة لطاقاته ومهاراته، بحيث لا يكون عمله سطحيا أو هامشيا أو مجرد نشاط يمكن لأي فرد القيام به(24) ، ولذلك يهتم هذا الأسلوب بزيادة مسؤوليات العاملين في عمليات التخطيط، والتصميم، وتقويم الأداء، أي إسناد مهام إشرافية إلى الموظفين الذين لا يعملون في مناصب إشرافية لزيادة حماسهم ودافعيتهم اتجاه العمل وتجاوبهم مع التغييرات الواجب إحداثها.
4-الدراسات الميدانية وبحوث العمل: تعد الدراسات الميدانية أحد الأساليب الضرورية لإحداث التطوير التنظيمي من خلال دراسات المسح الاجتماعي الشامل بطريقة العينة أو دراسة الحالة، أو من خلال أسلوب تحليل النظم التي توفر للإدارة مزيدا من المعلومات التي تساعد في تحديد المشكلات وصياغة البدائل وإختيار البديل الأنسب، فضلا عن التعرف على رأى العاملين في نمط الإشراف والقيادة الإدارية.
وتختلف بحوث العمل عن البحوث التقليدية التي تنفرد مراكز البحث أو معاهد ودور الخبرة والاستشارة بوضعها، وتنتهي بالتوصيات والاقتراحات التي يراها الباحثون أنفسهم دون مشاركة أو تعاون أو تبادل المعلومات مع المعنيين في أقسام المؤسسة ووحداتها، فالبحوث التقليدية تنطلق من حاجة عملية البحث إلى عمق في المعرفة وإطلاع على المنهجيات وهذه غير متاحة في الميدان(25).
5- شبكة التطوير التنظيمي (الشبكة الإدارية) (OD GRID):
لقد وُضِعَ هذا الأسلوب من قبل العالمين "روبرت بليك" وزميليه "جين موتون" (Blach & Meuton) سنة 1985 (26)، ويقوم أسلوب الشبكة الإدارية على افتراض إمكان أن يجمع المدراء بين هدفين رئيسين هما: زيادة الإنتاجية من ناحية والاهتمام بالقيم الإنسانية من ناحية أخرى، ودون أن يكون بينهما تعارض أو تناقض، ويأخذ أسلوب الشبكة الإدارية شكل العرض التصوري لخمسة نماذج من السلوك الإداري، مؤسسة على متغيرين هما: الاهتمام بالإنتاج أو العمل، الاهتمام بالعاملين، ويتم تطبيق الأسلوب من خلال سلسلة من الممارسات تهدف إلى إعطاء المديرين الفرص لتحليل أوضاعهم عن طريق الشبكة، وبالتالي تعظيم الفرصة للوصول إلى الوضع المثالي، هذا الأسلوب يأخذ تطبيقه مدة مابين سنتين إلى ثلاث سنوات، ومن خلاله يتم التعرف على المدراء وأسلوبهم في القيادة والعمل على تطوير ذلك الأسلوب المتبع من المدراء ليأخذ شكله المثالي بالإضافة إلى تطوير الأسلوب القيادي، مع إخضاع التجربة بعد تنفيذها للتقييم المستمر والمنظم، وذلك بهدف تحسينها وتطويرها(27).
وقد طَوَرَ "بليك وموتون" أسلوب الشبكة الإدارية الذي بمقتضاه يستطيع المشاركين بالبرنامج التطويري من المديرين ومساعديهم اكتشاف نمط القيادة السائد لديهم أو لدى المشاركين معهم ليقارنوا بين فاعلية الأنماط وكفاءتها، ويختاروا بأنفسهم الأسلوب الذي يجعلهم يتحولون للنمط الأفضل الذي يوفق بين تحقيق أعلى إنتاجية وأعلى رضا للعاملين، من خلال اختيار النمط الملائم من بين الأنماط الخمسة التالية:
ا- نمط المدير المنسحب الذي لا يهتم لا بالعمل ولا بالعاملين.
ب- نمط المدير الاجتماعي الذي يهتم بالعاملين على حساب العمل.
ج- نمط المدير المتأرجح الذي يوزع اهتمامه بين العمل والعاملين.
د- نمط المدير المنتج الذي يهتم بتحقيق أعلى إنتاج وأقل رضا.
ه- نمط المدير الفرقي والمفضل الذي يحقق أعلى إنتاج وأعلى رضا.
الشكل رقم (03): مراحل تطبيق الشبكة الإدارية
التدريب
تنمية روح الفريق
تنمية العلاقات المتبادلة للجماعاتا
وضع الهدف التنظيمي
الاستقرار
إنجاز الهدف




6- الإدارة بالأهداف: الإدارة بالأهداف من أوائل الأساليب التي استخدمت في التطوير التنظيمي، وقد ظهرت كأسلوب حديث من أساليب الإدارة في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، وهى من أكثر أساليب التطوير التنظيمي قدرة على علاج المشكلات الإدارية التي تواجه التنظيم، وبموجب هذا الأسلوب يجتمع مسؤولوا الوحدات للمشاركة في تحديد الأهداف العامة ثم الفرعية لوحداتهم ويحددوا الوقت المناسب لإنجازها حتى يكونوا ملتزمين ومتحمسين لتنفيذ ومراقبة عملهم اليومي والأسبوعي ذاتيا لتحقيق الأهداف في الوقت المحدد دون تدخل مباشر أو تفصيلي مباشر من قبل الإدارة في أعمالهم اليومية(28).
7- التدريب المخبري: يهدف هذا النمط من التدريب إلى زيادة فعالية جماعات التنظيم في علاج كثير من المشكلات الإدارية ذات الطبيعة السلوكية مثل: المشكلات المتعلقة بالصراعات، اتخاذ القرارات، والاتصالات من خلال تدريب المشاركين على فهمهم لأنفسهم وللآخرين وللعديد من الجماعات بتوجيهاتها الإيجابية والسلبية، حتى يمكن تطبيق ذلك الفهم عند العودة إلى العمل عقب انتهاء التدريب(29).
8- إدارة الجودة الشاملة: تعد إدارة الجودة الشاملة (TQM) والتي ظهرت لأول مرة في القطاع الخاص في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق العالم "إدوارد دمينج"، منظومة فكرية جديدة أو نموذجا جديدا أسهم في تغيير تفكير ممارسة الإداريين في المؤسسات الصناعية ومؤسسات الأعمال الإنتاجية في القطاعين الخاص والعام، كما أنها فلسفة إدارية أو مجموعة من المبادئ التي يمكن للإدارة أن تتبناها من أجل الوصول إلى أفضل أداء ممكن، وهى أيضا مجموعة أدوات إحصائية وأدوات لقياس الجودة بعضها معقد وبعضها سهل بسيط.
وتَتَبنى المؤسسات الآن إدارة الجودة الشاملة لأسباب عديدة حددها وأعدها مركز المنظمات الفاعلة التابع لجامعة جنوب كاليفورنيا سنة 1996، وهى تحسين الروح المعنوية، وحفز القوى العاملة للعمل كفريق، ومحاولة إنجاز الأعمال صحيحة من أول مرة، تحسين المهارات في العمل، إدارة التغيير، غرس الأخلاقيات، تقوية المهارات الإدارية، وتقليص التكاليف(30) ، وتقوم المؤسسات الآن في القطاعين الخاص والعام بتبني إدارة الجودة الشاملة كمدخل للتطوير التنظيمي، خاصة وأن معظم مديري المؤسسات يدركون الحاجة الماسة للتغيير وتحسين الخدمات في عصر تتزايد فيه عجوزات الموازنات وندرة الموارد، وإدارة الجودة الشاملة كإستراتيجية للتحول أو إدارة التغيير التنظيمي هي أسلوب لتحسين العملية الإدارية التي تهدف في النهاية إلى تحقيق الجودة وزيادة الإنتاجية دون أية موارد جديدة، وهى تعتمد على النظرية القائلة " كلما ازداد إشراك العامل في تحديد الأهداف التنظيمية ازداد التزاما بالأهداف"(31) ، ومن أهم الركائز الرئيسية لنظام إدارة الجودة الشاملة ما يلي:
ا- مساندة والتزام الإدارة العليا.
ب- التوجه الكامل نحو العميل.
ج- أهداف مكتوية للجودة الإنتاجية، إضافة إلى خطة سنوية للتحسين.
د- معايير ومقاييس الجودة ذات معنى لبرامج المؤسسة المعنية.
ه- استخدام خطة التحسين ونظام القياس للعاملين والمديرين.
و- مكافآت للإنجاز في مجال الجودة والإنتاجية.
ز- التدريب على أساليب تحسين الجودة والإنتاجية.
ح- تقليل عوائق تقليل الجودة الإنتاجية.
ويقوم هذا الأسلوب على بعض المقومات الفكرية التي تجعل منه أسلوبا تطويريا مناسبا؛ فهو يقوم على ضرورة قبول التغيير والاقتناع بأهمية المناخ المحيط، والاعتراف بأهمية الطلب على الخدمة واستيعاب التكنولوجيا واستخدامها بذكاء وخاصة تكنولوجيا المعلومات، وقبول المنافسة وإدراك أهمية استثمار طاقات المؤسسة ووقتها، واعتبار العالم وحدة متكاملة والخروج عن الحيز الإقليمي والتكامل مع الآخرين، وإدراك أهمية العمل وجعله معيار الاختيارات، والابتعاد عن الفردية والتشتت، والاعتماد على العمل الجماعي والنظر إلى المستقبل وعدم الانكفاء على الماضي أو الانحصار في الحاضر، والاقتناع بأهمية الحركة ورفض الجمود في الهياكل والتنظيمات، وإعادة النظر في المسلمات الإدارية الكلاسيكية، والتسلسل والتتابع في الفكر أو العمل، وأخيرًا احترام العنصر البشري كأقوى وأهم أساس في نجاح الإدارة المعاصرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق