الثلاثاء، 12 مايو 2009

القيادة العمرية
نشر يوم الأثنين 04 فبراير 2008


"



أحمد الدان
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرة إلى سعد ابن أبي وقاص وكان واليا على العراق فقال له: "عد مرضى المسلمين، واشهد جنائزهم، وافتح بابك، وباشر أمرهم بنفسك، فإنما أنت رجل منهم، غير أن الله جعلك أثقلهم حملا، وقد بلغني أنه فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك، ليس للمسلمين مثلها، فإياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة التي مرت بواد خصيب، فلم يكن لها إلا السمن، وأن حتفها في السمن، واعلم أن للعامل مردا إلى الله، فإذا زاغ زاغت رعيته، وإن أشقى الناس من شقيت به رعيته والسلام.



شكل عمر ابن الخطاب نموذجا متميزا في كثير من المجالات وبذلك جاء فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر.
وكان أكثر تميزه أخذ نفسه بالشدة والعزيمة التي أهلته ليكون قائدا على أعلى المستويات القيادية التي جعلته يتجاوز عقد الصراع ويتغلب على الخصم مهما كان مستواه حتى إبليس فقد روي أنه إذا سار عمر في طريق لا يسير فيها الشيطان..
وقد كان عمر زاهدا رغم علمه بلذات الحياة ولكنه كان يقول: إني أستبقي طيباتي، وقد كان بعض أصحابه يحضر طعامه ولا يشاركه فيه فسأله يوما ما يمنعك من طعامنا فرد عمر مغضبا أترى أني أعجز أن آمر بصغار المعزي فيلقى عنها شعرها، وآمر بلباب البر ثم آمر به فيخبز خبزا رقاقا، وآمر بصاع من زبيب فيقذف في سعن (قربة) حتى إذا صار مثل عين الحجل صب عليه الماء، فيصبح كأنه دم الغزال فآكل هذا وأشرب هذا؟! والذي بيده، لولا أن تنتقص حسناتي لشاركتكم في لين عيشكم، لكني أستبقي طيباتي لأني سمعت الله تعالى يقول عن أقوام "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها".
وعلى هذا المنوال سارت حياة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في استبقاء طيباته لغده وعدم استعجاله عليها مما جعله يعطي القدوة في كل شيء حاملا شعار كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يصبني ما أصابهم، وعلى هذا المنوال أيضا كانت الروح القيادية لعمر ابن الخطاب رضي الله عنه حيث كان يعتبر أن صلاحه هو الضمان لصلاح رعيته..
ولأن عمر ابن الخطاب كان يقود دولة ناشئة فقد حرص كل الحرص على أن يؤمن لها أسس الاستمرار القوي ولذلك كان يعتمد بشكل كبير على إصلاح أمرين أساسيين: الرجال والمال.
كان عمر رضي الله عنه حريصا على اختيار القادة الذين يبعث بهم في الفتحات حرصا شديدا جعله يتخير ويراجع ويتابع المسؤولين متابعة دقيقة ويكره أن يكون بينه وبينهم العوازل والفواصل بل كان اهتمامه يتركز بشكل كبير على أعمالهم وهم في حالة العمل وهو ما جعل ذلك الاهتمام يتحول إلى حالة من الفتح الرباني فيرى جنده في المعركة ويوجههم وينادي عليهم بذلك التوجيه المشهور> يا سارية الجبل..
كما كان من حرصه على الرجال يحيطون به أن منع في بداية أمره كبار الصحابة من الخروج من المدينة ليبقى الرائد الأوفى قريبا من مركز صنع القرار، حيث لم يكن عمر رضي الله عنه مستفردا بالرأي قط وأفضل الرأي ما اجتمع عليه كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كأنه لم يكن يستعمل على أساس القرابة، فلم يولي أحدا من أهله بل رفض حتى أن يكون إبنه عبد الله من الذين أوصى بأن يكونوا المجموعة التي يختار منها خليفته كما لم يولي أحدا من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حاور إبن عباس في ولاية حمص واستشاره ولكنه لم يوله أمرها، كما أثر عنه قوله: إني لأتحرج أن أستعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه.
ويوم أن عزل شرحبيل ابن حسن عن الشام خطب في الناس قائلا:> إني والله ما عزلت شرحبيل عن سخطة، ولكني أردت رجلا أقوى من رجل.
وقد وصف إختياره للرجال بقوله:> أريد رجلا إذا كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، وإذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم.
ولم يكن أحد أكثر تواضعا من عمر، غير أنه كان يتواضع في عزة ويشتد في رحمة ولذلك رفض تولية أحد ولاته عندما كان يكتب له عهد الولاية فجاء أحد أبناء عمر فجلس في حجر الخليفة فقبله فقال الرجل: يا أمير المؤمنين لي عشرة أولاد ما دنى أحد منهم مني فمزق عمر كتاب الولاية وقال: >إذا لم يرحم أولاده فكيف يرحم الرعية.
وكتب مرة إلى سعد ابن أبي وقاص وكان على العراق فقال له: عد مرضى المسلمين، واشهد جنائزهم، وافتح بابك، وباشر أمرهم بنفسك، فإنما أنت رجل منهم، غير أن الله جعلك أثقلهم حملا، وقد بلغني أنه فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك، ليس للمسلمين مثلها، فإياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة التي مرت بواد خصيب، فلم يكن لها إلا السمن، وأن حتفها في السمن، واعلم أن للعامل مردا إلى الله، فإذا زاغ زاغت رعيته، وإن أشقى الناس من شقيت به رعيته والسلام.
وكتب إلى عمر بن العاص والي مصر >كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك ووقع لي عنك أنك تتكئ في مجلسك، فإذا جلست فكن كسائر الناس ولا تتكئ.
وكتب إلى أبي عبيدة بن الجراح: أما بعد فإنه لم يقم أمر الله في الناس، إلا حصيف العقدة بعيد الغرة، لا يطلع الناس منه على عورة، ولا يحنق في الحق على جرة، ولا يخاف في الله لومة لائم والسلام عليك.
وأما ما تعلق بالمال فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أحرص الناس على المال العام، وقد كان يعسر فيستقرض وقد مات رضي الله عنه وعليه الدين ولم يدفن حتى وفاه عنه عبد الله بن عمر.
وقد كان من حرصه على بيت المال أن أحد عمال بيت المال كان ينظفه يوما فوجد فيه درهما فدفعه إلى إبن لعمر فاستدعاه الخليفة حين بلغه الأمر وقال له أوجدت عليك في نفسك سببا ؟ أردت أن تخاصمني أمة محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الدرهم يوم القيامة.
وقد نهى إمرأته بشدة على طيب مست منه وهو من طيب بيت مال المسلمين.
وقد أهدى أبو موسى الأشعري إلى عاتكة زوجة عمر سجادة صلاة صغيرة فلما رآها عمر وعمل مصدرها أمر بإحضار أبو موسى الأشعري وإتعابه ثم ضربه على رأسه بالسجادة قائلا: ما حملك على أن تهدي لنسائي.
وقدم بريد ملك الروم على عمر فاستقرضت إحدى زوجاته دينارا واشترت به عطرا وجعلته في قوارير وبعثت به مع البريد إلى زوج ملك الروم فقامت هذه بتفريغ القوارير بما فيها وملأتها جواهر وأرسلت بها إلى زوج عمر، فلما بلغ الخبر عمر أخذ الجوهر وباعه ودفه لإمرأته دينارا وجعل ما بقي من ذلك في بيت مال المسلمين. وكان يقدم ذوي الفضل من المسلمين فقد قسم أكسية على نساء المدينة وبقي منها كساء جيد فقال بعضهم يا أمير المؤمنين إعطي هذا إبنة رسول الله التي عندك فقال عمر: أم سليط أحق به فإنها ممن بايعن رسول الله وكانت تحمل القربة تسقي الناس يوم أحد.
ولذلك قال فيه علي بن أبي طالب يوم أن جاءت غنائم كسرى واستعجب منها عمر يا أمير المؤمنين إنك عففت فعفت رعيتك ولو رتعت لرتعت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق