الأحد، 10 مايو 2009

آراء: مستقبل الصناعة النفطية في العراق:




نحو مبادئ أساسية لوضع إطار تنظيمي و سياسة نفطية عراقية فعالة
حميد جعفر*
يعتبر التطوير الأمثل لاحتياطيات العراق الهائلة من النفط والغاز من أهم المفاتيح الاقتصادية لتحقيق مستقبل واعد للبلاد. إذ بعد انتهاء عقود من سوء الإدارة، وقلة الاستثمار في المشاريع النفطية إضافة إلى التلاعب السياسي، هناك أمام العراق الآن فرصة ذهبية لا تعوض لوضع سياسة نفطية صحيحة واطر تنظيمية لتحقيق هذا الهدف الحيوي.




ولربما هذه هي الفرصة الوحيدة: إذ أن الدفع بهذه الفرصة عن طريق قانون متعثراو جاء بوازع سياسي معين و بضغوط خارجية سيمنع العراق من الاستفادة من إمكانياته الكامنة على اقل تقدير وبالتالي إلحاق الضرر بالشعب العراقي، ويرجح أيضا أن يثير ظروفا قد تؤدي إلى صراع داخلي كبير وطويل الأجل يكون تهديدا للديمقراطية الحالية حديثة الولادة. وبالتأكيد أن المخاطر كبيرة ولكن أمام العراق ألان فرصة واحدة لاتخاذ الخيار الصحيح ولأجيال قادمة.
و لكن ماذا يعني (التطوير الأمثل) من الناحية العملية؟ انه وببساطة، أن يكون هدف العراق الأساسي والواضح هو زيادة الإنتاج إلى أقصى حد في اقرب وقت ممكن، من اجل زيادة عائدات الدولة. ولا تتوفر اي طريقة أخرى غير ذلك لتحقيق أقصى عائد للدولة ولصالح الشعب العراقي. وهذا لا يمكن ان يتحقق الا بعد ان تقوم شركة النفط الوطنية العراقية بالتركيز على الحقول المنتجة حاليا فقط واعادة تأهيلها وزيادة انتاجها ليصل الى 4 ملايين برميل يوميا ( وهذه مهمة كبرى فى حد ذاتها)، اضافة الى القيام بدعوة شركات القطاع الخاص (العراقية والأجنبية) لاستثمار مئات المليارات من الدولارات اللازمة لتطوير الحقول الباقية والقيام بعمليات التنقيب بموجب عقود ألمخاطرة والربح (وليس بموجب عقود الخدمة) والتي بدورها تحقق أعلى قدرة استثمارية وتضمن اعلى عائد للدولة.
إن المبدأ الأساسي لوضع إطار تشريعي ناجح يكمن في الفصل الواضح الذي لا لبس فيه بين سلطات وادوار الجهة التنظيمية (وهي الحكومة ممثلة بالوزارة المعنية) والجهة التي تخضع للتنظيم (وهذا يشمل جميع الشركات الاستثمارية بما فيها شركة النفط الوطنية العراقية وشركات القطاع الخاص للنفط والغاز المتعاقد معها للتنقيب والتطوير). ولهذا فان مسودة قانون النفط الحالية تمثل بالتأكيد بداية طيبة رغم أنها تتضمن بعض الالتباسات الكبيرة الواجب تسويتها. اضافة الى ذلك فان ملاحق مسودة القانون كما اقترحها البعض تشير الى منح 90% من احتياطيات العراق المؤكدة إلى شركة نفط وطنية عراقية لم تؤسس بعد ولا تخضع للمسائلة. ومن الناحية العملية، وبعد الأخذ بعين الاعتبار الوقائع الحالية ونقص الموارد، فان ذلك سيكون بمثابة ضربة قاتلة لأي أمل في التقدم والتطوير السريعين لهذا القطاع، بل انه سيكون مناقضا لما ورد في الدستور وبالتحديد المادة 110 المتعلقة بالسياسة النفطية وتشريعاتها التي تتطلب (الاعتماد على احدث تقنيات مبادىء السوق و تشجيع الاستثمار). ومن هذا المنطلق، هنالك ثمانية مبادئ اساسية يمكن أن تفعل أو تقوض نجاح سياسة العراق النفطية والاطار التنظيمي لها:
1- الهدف المركزي
هناك قدر كبير من الجدل والضجيج السياسي الذي اثير في الاسابيع والاشهر الاخيرة على قانون النفط والغاز المقترح. وبقدر تعلق الأمر بالسياسة النفطية وإطارها التنظيمي، فان للعراق هدفا واضحا ومحددا: وهو زيادة العائد الاقتصادي للشعب العراقي إلى أقصى حد ممكن. وتحقيق هذا الهدف يتم بالأساس بواسطة ثلاثة عناصر هي: زيادة الإنتاج إلى أقصى حد، في أسرع وقت ممكن، وفي ظل افضل الشروط التجارية للدولة. فقط ذلك لاغير، من دون تزويق أو تعقيدات مربكة وبصراحة، فان كافة الأهداف الأخرى التي يتم الادعاء بها والتصريحات المنمقة حول "تحقيق الوحدة الوطنية" و "حماية المصلحة الوطنية ضد الملكية الاجنبية" وما الى ذلك، ماهي إلا محاولات تضليلية من مخلفات الماضي وألاعيب فجة لتحويل أنظار العراقيين الذين ملوا من سماعها طوال العقدين الماضيين. إن المادة (109) من الدستور العراقي تنص وبوضوح على ان (ثروة النفط والغاز هي ملك لكل الشعب العراقي فى جميع المناطق والمحافظات) ولا يوجد خلاف على من يملك نفط العراق. ويمكن التعامل مع مسألة تقاسم الايرادات فى تشريع مستقل، وهو في الحقيقة بشأن كيفية تقاسم الكعكة (كعكة الإيرادات)، الذي سيتم على اساس نسب توزيع السكان وكما نص عليه الدستور العراقي. و لذلك عندما يتعلق الامر بسياسة نفطية فعالة فان ما يهمنا هو كيفية زيادة حجم هذه الكعكة ولجميع العراقيين: وافضل السبل هو ايجاد اطار قانوني يشجع التنمية القصوى للموارد النفطية للبلد. ولا شيء سوى ذلك.
2- دور الدولة
يعتبر دور الدولة المتمثل بحكومة العراق امرا مطلوبا ومهما باعتبارها الاداة القوية والفعالة لصياغة سياسة البلاد النفطية وتنظيم الإشراف على القطاع النفطي بكامله وجميع الشركات العاملة داخله. وكذلك وضع السياسات والمعايير اللازمة والتركيز على زيادة الحد الأقصى للريع الاقتصادي للدولة من هذه العمليات. وأذا قررت الحكومة المشاركة في تشغيل وادارة القطاع النفطي تجاريا بنفسها فإنها بذلك تقوض دورها كمنظم فعال له. اذ لا يمكنها القيام بالمهمتين معا. وأثبتت التجربة على نطاق عالمي ان ادارة القطاع العام لمنشأة تجارية هي عملية غير ناجعة وتفسح المجال للاستغلال السياسي. وخير دليل على ذلك تاريخ العراق الذي يزخر بامثلة توضح ذلك. وعلى الرغم من وجود اقلية بارزة تواقة حتما لعودة ملكية الدولة الا ان نموذج الاقتصاد الاشتراكي والتخطيط المركزي والإدارة المركزية للدولة قد ولى والى الابد.
3- الحاجة إلى القطاع الخاص
إن إنتاج العراق الحالي من النفط يصل إلى نحو مليوني برميل في اليوم وهو نفس المستوى الذي كان عليه في عام 1975، عام تأميم النفط، لا يمثل سوى جزء بسيط من المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه الإنتاج في العراق في ضوء الاحتياطيات والقدرات الكامنة من النفط والغاز. ويكفينا أن نتأمل إنتاج روسيا التي تمتلك احتياطيات نفطية اقل بكثير مما لدى العراق بينما يفوق انتاجها ستة أضعاف انتاج العراق! وهنا اريد الكشف عن حقيقة هي ان 60% من احتياطيات العراق الحالية المؤكدة تم في الواقع اكتشافها من قبل شركات القطاع الخاص، في حين يعود تحديد وجود 20% اخرى من الاحتياطيات الى شركات تنتمي اصلا الى القطاع الخاص
وينبغي أن لا يكون هناك ادنى شك بان اعمال التنقيب عن النفط، وتطوير حقول النفط والغاز غير المستغلة يجب ان يقوم بها القطاع الخاص من اجل مصلحة البلاد. وهنا لابد من القول ان كل هذا العمل يجب ان ينظم بدقة من جانب الحكومة لضمان التقيد بالالتزامات التعاقدية. ولقد اثبتت التجربة على نطاق عالمي ان الحكومات تفتقر الى الكفاءة المطلوبة في ادارة المؤسسات التجارية ، والعراق بالتأكيد لا يمثل استثناء لذلك. وعلاوة على ذلك، ففي مثل حالة العراق تكون الحاجة للاستثمار من قبل القطاع الخاص اكثر الحاحا من اجل معالجة النقص الحاد في الموارد المالية والتقنية والملاكات البشرية المؤهلة الذي تعاني منه الدولة العراقية. و السبيل الوحيد لاشراك القطاع الخاص بما في ذلك شركات النفط العراقية هو عن طريق منح عقود المخاطرة الملائمة (عقود الربح والخسارة) وبأي شكل كان كي تتوحد مصالح شركات القطاع الخاص مع مصالح الدولة بما يجعل هذه الشركات تضع كامل مواردها المالية والتقنية والإدارية في خدمة هذا المجهود. ومرة اخرى، لا يهم شكل العقود المعتمدة للاستثمار، طالما انها تستند الى مبدأ المخاطرة وتوفر الحوافز المناسبة للمستثمرين بما يؤمن الاستفادة القصوى من تحسين الريع الاقتصادي للعراق. وهنا لابد من القول إن السرعة والكفاءة الفائقة هما أمران متلازمان وفي غاية الأهمية كما هو الحال بالنسبة لمسألة تعظيم المنافسة. وإذا ما تركنا دول الخليج الصغيرة مثل قطر أو الإمارات اللتان حققتا تطورا سريعا من فوائد استثمارات القطاع الخاص نجد اليوم حتى الدول العربية الكبرى (ذات التوجه الاشتراكي) مثل جمهورية مصر العربية وسوريا وليبيا قد بدأت باستقبال عدد كبير من شركات القطاع الخاص للاستثمار وضمن اطار اتفاقيات تقاسم الانتاج. فمصر على سبيل المثال لديها 64 شركة تعمل في قطاع النفط والغاز، بدءا من شركات دولية كبيرة إلى أصغر شركة إقليمية أو مستقلة. ومن خلال نشاطات هذه الشركات والمنافسة الناجمة حققت مصر تقدما سريعا في زيادة احتياطيها وانتاجها وبالتالي زيادة عائدات الدولة بطريقة لايمكن ان يحققه لها احتكار الدولة. وبالفعل فان اتفاقيات تقاسم الانتاج لا تعتبر من أدوات الهيمنة الخارجية كما يزعم البعض كذبا مما أدى إلى تشويه سمعتها بشكل غير مسؤول. إذ أن هذا النموذج من العقود قد اوجدته أندونيسيا، وهي عضو بارز في منظمة اوبك. بل إن مبدأ تقاسم الإنتاج هو وسيلة لضمان الحد الادنى المطلوب لمكافأة الشركة المستثمرة وزيادة عوائد الدولة. وأي وصف عكس ذلك هو محض خيال، اما عقود عدم المخاطرة التي اقترحها البعض كوسيلة اخرى، والتي تتبعها إيران بشكل كبير فهي اتفاقات (اعادة شراء العقود)، وهي محدودة النجاح وتتبعها ايران بسبب القيود الدستورية الخاصة بذلك البلد .ولكن في حقيقة الامر ان المادة 110 من الدستور العراقي تقضي (بالاعتماد على أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار) لادارة قطاع النفط
4- الغاية من انشاء شركة نفط وطنية عراقية
إن الغاية من انشاء شركة نفط وطنية عراقية هو لإدارة وإعادة تأهيل الحقول النفطية المنتجة حاليا وممتلكاتها ، والارتقاء بمستويات انتاجها لكي تصل الى طاقة تتراوح بين 3.5 - 4 مليون برميل يوميا. وهذا يشكل تحديا كبيرا وفق المقاييس الدولية، ولا سيما اذا ما نظرنا الى الحالة المزرية الراهنة لمنشآت العراق النفطية والملاك الوطني العراقي الذي تفكك من جراء الحرب والعقوبات والهجرة غير المسبوقة للعقول العراقية. فضلا عن الافتقار للأموال ونقص التكنولوجيا. ولذا فان مهمة انشاء شركة نفط وطنية عراقية ستتطلب موارد مالية وإدارية هائلة. ولكن إذا ما احسن توجيهها وتنفيذها، فان ذلك من شأنه ان يؤدي الى ظهور واحدة من أكبر شركات النفط في العالم وتكون قادرة على تشغيل اكثر من نصف طاقة العراق الانتاجية الممكنة. ولذا ينبغي على شركة النفط الوطنية العراقية ألا تحول اهتمامها ومواردها عن هذه المهمة الكبيرة ، وبالتالي ينبغي ان لا يسمح لها بممارسة اعمال اخرى مثل تطوير حقول النفط العراقية غير المطورة، والقيام بأعمال التنقيب، أو الاستثمارات الأجنبية، أوالخدمات البترولية. كما يجب ان تبقى بمنأى عن التدخلات السياسية، و يجب كذلك ان تعمل كمؤسسة تجارية تحت الاشراف التنظيمي للوزارة، كسائر غيرها من الشركات العاملة. ولهذا، لا بد من وضع معايير وضوابط المساءلة لها كغيرها من المؤسسات التجارية، لضمان كفاءة ادائها وعدم تبديد الموارد الوطنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق